Thursday 6 November 2014

في أعماق الفراشة .. إلى الجميلة شيرين سامي



تحذير .. هذا موضوع طويل الشرح .. فإن كنت ممن يملون القراءة سريعا .. فقط ارحل .. فلن يجديك نفعا بضع سطور مبتورة على جدار العالم الافتراضي.

كان اليوم متعبا جدا يسبقه أيام عمل شاق لا تقل عنه إجهادا ولا تعبا ولكني كنت أرغب بشدة في الذهاب. تأخرت في العمل كعادتي حتى اقترب موعد اللقاء .. لملمت حاجياتي وحاولت يائسة ترتيب مكتبي قدر الإمكان تمهيدا للغياب عنه في سفرة قصيرة لا تتعدى اسبوعين على الأكثر وأطفئت الأنوار وذهبت.

معاناة هي القاهرة في كل شيء من تلوث وصخب وتنوع حيوي وفيزيائي قاتل، ولكن تظل القيادة في ظل معجون السيارات في الطرقات هو الجحيم ذاته خاصة ان كنت لا تعلم اين ستذهب بالتحديد. ملحوظة: قد لا تجديك  التكنولوجيا الحديثة نفعا في القاهرة عند استخدام نظم تحديد المواقع جغرافيا. فليس بإمكان تكنولوجيا "سكاي نت" نفسها التنبؤ بخريطة مصر اليوم او منذ سويعات مضت.

نجحت أخيرا في الوصول إليها .. شارع في حارة في مدق .. شيء من عبق القاهرة القديمة مسح معاناة الطريق وجعلني أقبل على اللقاء بصدر رحب ..كثيرا ما أشعر في القاهرة بالأصالة خاصة عندما أجوب الحواري القديمة على غير هدى. تأخرت عن موعدها ..

يقلقني التأخير عموما وأكره عدم التزام المواعيد ولكن .. لا بأس.

أخيرا جاءت .. بسيطة وخفيفة الروح .. تلوح في ملامحها بعض من توتر تحاول اخفاؤه .. اعتذرت للجمع المنتظر عن التأخير وتبسطت في الحوار والسلام. لم تعرفني عندما رأتني وهي من تعرفني حق المعرفة خلف الكلمات.. ضحكت في نفسي بصوت عال فتلك احدى نقائص التطور .. ضياع الملامح الحقيقية في أكواد الانترنت ولغات البرمجة. معذورة هي ..

هي الفراشة الرقيقة وقالب الحجر ونار الجنون وماء الحياة وعقل الحكمة وقلب الحب .. هي كل هذا وأكثر .. هي "عليا" و "فرح" و "هيثم" و "محمود" و"حسن" و"شيرين" .. هي كل هؤلاء ولا أحد منهم يشبهها. كان الحوار ممتعا وجميلا لم يشوبه سوى بعض الضوضاء في الخلف والتي أثارت أعصابي لبعض الوقت .. فكنت حقا استمتع بالحوار والنقاش والردود .. استطعت أن أميز بعض المدونين دون أن يعرفوني. مثل "فاتيما روح قلب ماما و سالزيادسو. ليسوا مختلفين كثيرا عما هم عليه خلف الألياف الضوئية وشاشات الحاسوب .. أو هكذا أظن.. وقليل من هم كذلك.

تقدمت للتعليق وهو ـ لمن لايعرفني ـ أصعب شيء أفعله في حياتي رغم أني قضيت أغلب حياتي العملية في قاعات المؤتمرات والنقاشات العلمية والاجتماعات التقنية وعرض النتائج ولكني أعترف أني لا أشعر أبدا براحة في وجود جمع من الناس وأفضل الانسحاب سريعا لمكان هادئ. بالطبع لم أستطع النقاش في كل ما وددت إثارته من نقاط فقد تأخرت شيرين كثيرا وكانت طاقتي في احتمال التواجد في جمع من الناس قد أوشكت على النفاذ. على أية حال .. ربما كان ذلك أفضل .. فأنا أفضل أن أكتب رأيي في هدوء وفي غير عجلة أو صخب وهو ما سأسرده أدناه وحق الرد مكفول للجميع.

ان متابعتي لشيرين او لغيرها من الكتاب الذين اهتم لكتابتهم متابعة غير سطحية وان كنت قليلة التعليق لضيق الوقت، ولكني أستطيع أن أدعي أني قارئة جيدة احترم من أقرأ له وأحترم نفسي فلا أخادعه أو أنافقه فقط لكسب صديق جديد في عالم من الأرقام والورق.

اشتريت رواية قيد الفراشة بعد تردد ليس بطويل .. فالكتاب الذي يسبقه "كتاب بنكهة مصر" كان جميلا حقا ولكنه لم يدهشني .. فقد كان تطور قلم الكاتبة فيه طبيعيا وتدريجيا ومقبولا .. استمتعت بقراءته وأنا من كنت أشتاق لرؤية مصر بعد اعوام شتى من الغياب عنها .. أخذني لرحلة بسيطة وسلسة بلا تعقيدات في الحياة اليومية المصرية بشتى أنواعها في صور قصيرة مختصرة ورسائل واضحة بلا اي مواربة او خيال. 

ساعدني على قبول الكتاب انه قصير .. كوجبة خفيفة بعد جوع طويل عن البلد .. وهو ما جعلني أتردد في شراء رواية "قيد الفراشة" بادئ الأمر خاصة عندما قرأت على صفحتها أن الرواية طويلة جدا .. ولكن فضولي دفعني لأن أرى إلام وصلت كاتبتي الصغيرة بعد كتابها الأول .. وكيف أصبحت؟

كان الكتاب فعلا مفاجأة .. غلبتني شيرين في أقل من ساعتين .. غلبت خيالي وقدرتي على التحدي والتنبؤ بالأحداث بل ووضع نهايات للقصة لن تختلف عن النهاية التي كتبها صاحبها. هزمتني شيرين شر هزيمة عندما تنبأت بمستوى الرواية ومدى درجة التقدم التي قد تكون وصلت اليها في هذه المرحلة.

كانت الرواية عنيفة وصاخبة وغاضبة وحالمة ومرحة. كنت أغضب من عليا وأحنق عليها وأتعاطف مع فرح وأسخر من هيثم وأتحمس له وأكره محمود ويزداد غضبي من هذا الأحمق الذي وجد جنون الحب في قلب امرأة وتركه فقط لأنه لم ينضج كفاية ليعرف ماذا يريد.

استطاعت شيرين برقة وروعة أن تنتزعني من أفكاري الخاصة لأعيش أفكار الرواية وأتعايش مع شخصياتها .. أبهرتني جودة اللغة وجمال التشبيه ودقة التعبير وبساطة التنقل بين الأحداث. لم أشفق على زوج عليا في أي مرحلة من مراحل الرواية على الإطلاق .. حتى عندما وقف مع نفسه تلك الوقفة بعدما هزمته صورته في لحظة صدق وهو شيء طبيعي ومقبول من شخص مثلي أصبح يكفر "بالفرصة الثانية" ولا يؤمن بأن من أضاع شيء يستحق استرجاعه ..

محمود للأسف شخصية عامة متأصلة في مجتمعنا .. ليست منتشرة كالوباء ولكنها عامة ومعروفة للجميع .. فلن تجد واحدة من بنات حواء لم تصادف هذا الـ "محمود" شخصيا أو من خلال أحدى صديقاتها او معارفها في العمل او السكن او غيرهم.

فرح جميلة .. ضعيفة وان تظاهرت عكس ذلك وكان من الطبيعي أن يقع في غرامها أحدهم .. فللضعف جمال خاص أيضا له محبيه.

مروة .. صديقة مصرية أصيلة متمثلة في أغلب بنات حواء تهتم لأصدقائها ولا تقحم نفسها الا بقدر الحاجة ولكنها لن تتردد أبدا في التصرف والدفاع عمن تهتم لأمرهم .. مروة بالبلدي كدة "بنت جدعة" ،،،

نورة شخصية حقيقية نصادفها في كل وقت ولكنها لا تستحق من ورق الرواية أكثر مما منحته إياها الكاتبة .. فهي هامشية الدور في حقيقة الحياة وكذلك هي على الورق.

الأم .. آلمتني كثيرا تلك الشخصية .. فهي تمثل علاقة 90 بالمائة من الأمهات مع بناتهن .. يضعن لوح من الزجاج العاكس حتى لا يرين الا أولادهن ولا يسمحن لهم أن يروا ما بداخلهن. تقسو وقلبها يقطر حبا وحنانا وتغضب وكل خلجة من خلجات الروح صافحة بلا أعذار .. أعجبني تشبيه الاستاذ محمد "أرجو أن يكون الاسم صحيحا" عندما قال ان "الأم لا تربت على كتفك أو ظهرك .. انما تربت على روحك". كان تحولها في النهاية طبيعيا جدا .. فماذا يكسر الزجاج العاكس ان لم يكن زلزال يسجل اعلى درجة على مقياس رختر؟ وهل طلاق عليا بالحدث الهين؟ وهل عدم معرفتها اياه بالسهل؟

حسن .. شاب أحمق .. لا يقل غباء في نظري عن محمود .. فهو لم يقدر قيمة ما يملك الا بعد ضياعه وهو لعمري شيء يثير حفيظتي وحنقي عليه وفرحتي بالنهاية غير المتوقعة .. فهو كمحمود تماما .. لم يستحق علياء يوما .. فقد كان على الفراشة أن تحلق بعيدا عن الضوء حتى تجد ما تستحقه .. وهي بالقطع تستحق الكثير.

حسنا أظنني انتهيت مما رغبت في قوله .. يبقى فقط كلمة للكاتبة شيرين سامي ..

أنتِ رائعة يا عزيزتي .. لم تخذليني يوما

قتلتني بعض كلماتك على الورق ومزقتني بعض تعبيراتك الجامحة وأحيتني بعضها

ولكن تظلين انتِ أروع من قرأت له من الشباب حتى الأن في مصر

لا تتوقفي

فقط استمري ..

فللأفضل أكيد

دمت جميلة وراقية كما أنتِ .

                                                مع تحياتي ،،،

No comments: