Saturday 15 December 2012

عن هؤلاء .. وأولآئك


كان يومي ليمر عاديا جدا لولا إستيقاظي مبكراً في الثانية والنصف صباحاً ، ولولا إكتشافي أثناء تناول قهوة الصباح في السادسة أن الحديقة تحتاج لبعض التهذيب والتشذيب فأمكث بها حتى الحادية عشر صباحا لأجد أن مدخل بيتنا المتواضع بحاجة شديدة للتنظيف والمسح فأعمل يدي فيه حتى الثانية عشر ظهرا لأنتهي بآلآم مبرحة في ظهري فأتذكر أن لدي موعد في تمام الثالثة عصرا فأسرع بالتجهيز للخروج والذي يحتاج كما تعلمون إلى بضع ساعات على الأقل :)

ولكني أقول أن يومي كان ليمر عاديا على الرُغم من كل ذلك .. لولا هذان الحواران المتناقضان اللذان شاء الله أن أستمع إليهم في أقل من ساعة من شخصين لا تربطني بهم أية صلة ولا أظن أني قد أتعرف أحدهم إن رأيته ثانية في المستقبل .

كان الحوار الأول بين سائق ( التكتك ) والراكب الذي يجاورني فيه - والـ ( تكتك ) كما يعلم أغلبكم وسيلة نقل " آمنة جداااا " في بلدنا المحروسة وهي إختراع " هندي " بحت لم يسلم من عبث .. أقصد .. إبتكارات الأيدي المصرية فيه .. حتى أصبح أقرب إلي ماكينة الخياطة منه إلى وسيلة نقل ومواصلات - ما علينا .

بدأ الحوار بين سائق التكتك والراكب الذي بجواري عن الدستور والتصويت فيه بنعم أم لا وما هو الرأي الصواب .. الـ ( نعم ) ، أم الـ ( لا ) ؟ فكان للرجل بجواري والذي جاوز من العمر الستين بقليل رأي يستحق السمع والنقل فقال :

هؤلاء الناس ( يقصد الحزب الحاكم على ما فهمت ) يظنون أننا حمقى ، يطالبوننا بأن نصوت بنعم فيأخذوا إبني ويحتجزونه دون أن أعلم عنه شئ لإثنتي عشر ساعة كاملة ثم يقولون أن قانون الطوارئ موقوف ولا يمكن تفعيله الا بأمر من رئيس البلاد لمدة لا تتجاوز ستة أشهر ولا تجدد إلا باستفتاء شعبي .. ونحن بهذا القانون في حالة طوارئ مستمرة . وقالوا أنه يحق لي أن أستفيد من التأمين الصحي ، لكن بشرط أن أفضح نفسي وأقدم شهادة ( فقر ) ثم أتبع كلامه بألفاظ نابية بعضها مألوف وأكثرها غريب عني يفيد بأن لعنة الله على كل من وضعوا الدستور ومن وافقوا عليه أو سيوافقون عند التصويت بـ ( نعم ) .

وعلى الرغم من فرحي بأن حاجز الخوف قد إنكسر عند الناس فأصبح لديهم القدرة على التعبير .. على قدر ما أحزنني تجاوز بعضهم الحد المسموح في الخلاف بصب اللعنات على من سيقول نعم واتهامه أنه من الحزب الحاكم وأنه ( فاكرين نفسهم شيوخ واحنا كفرة ولاد الـ تيييييييييت ) .

أما عن الرأي الأخر فكان لأحد هؤلاء الـ ( شيوخ ) -  على الهامش : في مصر نطلق لقب أو لفظة شيخ على كل من أطلق لحيته بغض النظر إن كان درس في الدين والشرع أم أنه مثلنا يصوم ويصلي و يسأل عندما لا يعرف -  المهم أن لهذا الـ ( شيخ ) رأي أعترف أنه خلى من سئ الألفاظ التي صبَّها الراكب بجواري في التكتك ولكني أيضا أعترف أنه لم يخلو من الظرف والحنكة وجميل الظن بالغير مما يجبرني على نقله أيضا إليكم .

كان هذا الـ ( شيخ ) يركب الميكروباص الذي شاء حظي أن أركبه لمدة تصل إلى خمس وأربعون دقيقة إستمعت فيها لمختلف الأراء حول الدستور أيضا حتى أنهى شيخنا الحوار برأيه الحصيف قائلا :

" ليكون في علمكم ، هذا الدستور من أروع ما كتب في تاريخ الـ ( الدساتير ) وأن أغلبية الشعب المصري توافق عليه عدا هؤلاء الذين يريدون ( خراب ) البلد ، وهم من يصل دخلهم الشهري الى 400 ألف جنيه أو هم من الشباب المتفرنج الأحمق الذي يتقاضى من ألفين إلى ثلاث آلاف جنيها حتى يقول لا و ( يخربها )  " .

في الحقيقه وعلى الرغم من شعوري المضني بالإرهاق حتى أني كرهت لوهلة الدستور وواضعيه والناس والشعب و نعم ولا .. وأحببت فقط بعض الهدوء لبعض الوقت خاصة وأن يومي قد بدأ باكرا جدا ومرهقا جدا أيضا ، إلا أنني أحببت أن أقول شيئا لهذين الرجلين مع يقيني أن إحتمال قراءتهم لهذا الموضوع لا يتجاوز الصفر بأي حال من الأحوال ولكن هذا هو دور المدونة .. ( نقول فيها اللي في نفسنا وولا يهمنا ) ^_^

سيدي الراكب بجواري في التكتك :  

ليس كل من سيقول نعم من الحزب الحاكم ،  وليس كل من سيقول نعم .. لا يفهم ولا يفقه شيئا سوى ما يمليه عليه المرشد ، وليس كل من سيقول نعم أحمق حد الحماقة للدرجة التي ألغى فيها عقله وسلم رأسه لمن يراه أكثر قدرة منه على التفكير وإتخاذ القرار .. فلا هم بحمقى ولا هم بخائنون ولا هم بمحبي السلطة ، إنما هم إناس مختلفون عنك في التفكير .. وفي الرأي .. فقط .. ولا شئ غير ذلك .

سيدي الراكب بجواري في الميكروباص :  

ليس عندي تعليق على ما قلت - فأنا أعلم جيدا أنك وإن قرأت كلماتي فلن يصل لعقلك منها شئ إن لم تصل لك عن طريق آخرين ( لست أنا منهم بالطبع ) .. فقط عندي سؤال ، هلا أخبرتني عن هؤلاء الناس الذين يوزعون بضعة آلاف على كل شاب ليقول ( لا ) ، فأنا بحاجة ماسة لهذا المبلغ ولا أجد ضررا في أخذه خاصة وأني من هؤلاء المعترضين على الدستور وقالوا ( لا ) ولا يصل أيضا دخلهم الشهري أو حتى السنوي بأي حال من الأحوال إلي 400 ألف جنيه .. واهو يا بخت من نفَّع وإستنفع :)


Sunday 21 October 2012

أكتوبر الجديد :)




أكتوبر الجديد  !!   نعم إنه كذلك ..

أعلم جيداً أن شهر أكتوبر موجود من قديم الأزل فقد تعهد الزمن بحمله إلينا مرة واحدة كل عام ولم يخل بتعهده قط .. وأعلم أيضاً كما تعلمون أنه دخل تاريخنا المصري من أوسع أبوابه بنصر أكتوبر العظيم والذي إسترددنا فيه أراضينا من المحتل الصهيوني اللئيم ، فتحررت الأرض وأستُعيدَت الكرامة المسلوبة .. كما أعلم وإن كان أكثركم لا يعلمون ، أنه شهر ميلادي الكريم :)

ورغم كل ذلك .. فأكتوبر هذا العام يختلف ، إنه بالنسبة لي .. أكتوبر جديد ...

 أكتوبر هذا العام حمل لي ولأول مرة منذ أمد بعيد .. الفرح ، والأمل ، والتفاؤل ، والحماس ..

أكتوبر هذا العام حمل لي معه نفسي الضائعة الهائمة في ظلمات الظلم والقهر والتعسف والدونية والحقارة واللعب بالألفاظ وتعدد المسميات والنفاق والرياء والكذب حتى أني قد ظننت في لحظة أن كل البشر - جميعهم - وبلا استثناء ، درب من نسل الشياطين ، وأن آدم قد مات وقد خَلَّف لنا قابيل بعد أن قتل كل الخير في قلب أخيه .. 

أكتوبر هذا العام حمل لي ذكرى يوم مولدي كدأبه كل عام .. وحمل لي معه ميلاد جديد وصك غفران ورحمة لذنبِ ظننت كثيراً أني لن أغفره لنفسي وإن غفره الله لي ..

أكتوبر هذا العام .. بدأ بذكرى نصر أكتوبر .. ثم حمل لي شهادة نصري وعزتي .. مرورا بيوم مولدي .. وانتهى بالعشر الأول من ذى الحجه وأيام مباركة وعيد

أفلا يستحق عن كل هذا .. أن يكون أكتوبر جديد ؟!!

على الهامش وفي الأصل ،

 أود أن أسجل إعتذاري للجميع عن تغيبي شبه المستمر وتعثري في المتابعة والتفاعل مع أصدقائي الأعزاء جداً على المدونات الشقيقة ، وأستميحكم جميعاً العذر عن ذلك في المستقبل ، حيث يبدو أنه ذلك سيكون سمة لي في الفترة القادمة على الأقل .. وإن كنت أعد بالمرور والمتابعة كلما إستطعت والتفاعل والمشاركة كلما تسنى لي ذلك ...

Thursday 6 September 2012

بعض من نفسى .. نظرة سطحية فى مذكراتى الشخصية


غريبة تلك الحياة .. تهب وتعطى وتحب بكل ذرة فى وجدانك إناس لا يستحقون حتى بذل الجهد لبغضهم .. قأقصى ما يستحقونه هو "النسيان" ،،،


إذا كنا بالحماقة الكافية لعدم التفرقة بين الأعداء الحقيقيين والإخوة الحقيقيين .. فهنيئاً لأعدائنا أكلنا على موائدهم والتلذذ بنا ،،،


تساءلنى من أنا؟؟ حسناً .. إنى فتاة لا يهزمها حد السيف ولكن حذار .. فقد تقتلنى بعض الكلمات ،،، 


أرجوك .. لا أريد منك عذراً .. فلا يفيد الميت شيئا من جودة الكفن .. ولا يجدى معه قبر من ذهب ،،،


جميلة .. أه ،، رقيقة .. أه ،، مخلصة .. جداَ ،، ولكن للأسف .. ملكيش عزيز .. زيى تمام ،،،


تباً لقلب لا يعرف القسوة إلا على نفسه ،،،


عذرا ولكنى توقفت عن صنع القديسين منذ زمن بعيد .. سيادتك مجرد "بشر" .. وبس ،،،


لا يوجد على وجه البسيطة شيئاً أهم من الصداقة .. إن كان هناك ما يسمى كذلك ،،،


سحقاً لذوى الأوجه المتعدده .. وتباُ لأخلاقيات تمنعنى نعتهم بما يستحقون ،،،


كلما ظننت أنى قد رأيت من السواد والغدر مبلغ ما قد يصل إليه البشر .. يفاجأنى أحدهم بأنه لازال فى جعبة الناس الكثير .. عندى حالة من الغثيان شديدة .. بالبلدى كده .. عندى حالة "قرف" ،،،


لا "تتسول" الإهتمام فهى أشياء "تُهدَى" ولا "تُطلَب" ..
ولا تبكِ على أحد إلا إذا مات وهو عليك باقِ ..
فلا "أحد" ولا "شئ" يستحق إذا إلتفت عند إحتياجك إليه فلم تجده ،،،


Sunday 24 June 2012

عزيزى رئيس الجمهوريه



(لست من المشاركين فى كتاب الرسائل لرئيس الجمهوريه المنتخب ولا اعرف سبيل الى الاشتراك ،، لكن الفكره أعجبتنى فكتبت تلك الرساله التى قد تصل وقد لا تصل .. فمن يدرى .. نحن فى زمن تم فيه انتخاب رئيس لجمهورية مصر العربيه لأول مره منذ ما يربو على السبعة آلآف عام أو يزيد بإنتخابات مجهولة النتيجه لأخر لحظة) .

عزيزى رئيس جمهورية مصر العربيه ...
                                                        تحية .. وأما بعد ،،

أحب أن أبدأ أول ما أبدأ بأن أخبركم بأنى لست من المتحمسين  لكم لظنى فيكم بأنكم تابع لجماعة الإخوان المسلمين وإن كنت لا أنكر إنتخابى لكم وفرحتى بنجاح المصريين فى إسقاط المرشح المنافس والممثل للدوله العسكريه بكل ما تحمله الكلمه من معنى فى رأيى المتواضع.

عزيزى رئيس الجمهوريه ..
                           هذه رساله من بنت مصر إلى أحد أبنائها قبل أن يكون رئيسها ..

إن مصر وقفت بجانبكم لتنصروها لا لتنصركم .. فهل أنتم ناصريها؟؟ هل تقسمون يمين الولاء لهذا البلد وهذا الشعب الأمين بجميع طوائفه بأن تردوا عليه حقوقه المسلوبه ودمائه المهدرة وكرامته المهانة ؟ هل تعيدون للشوارع رونقها وللشباب صوته وطموحه وللبحث العلمى مكانته؟؟ هل سيكون الجزاء من جنس العمل وعلى قدر الجهد؟ هل سنرى على ايديكم القصاص العادل ممن استباح دماء المصريين وكرامتهم وأموالهم ؟؟ هل ستعملون على وضع مصر على خارطة العالم السياسيه من جديد وتصلون ما قطعه من قبلكم من بعض أجزائها؟؟ هل ستنشرون العدل والمساواه وتقفون بالمرصاد للفساد والرشوه والمحسوبيه وتعيدون الأمن لمصر المحروسه؟ هل ستكونون ممن صدقوا ما عاهدوا الله عليه ام ستنقلبوا على أعقابكم بعد ان تفتنوا بالسلطه والسلطان؟

عزيزى رئيس الجمهوريه ..
إن صدقتمونا صدقناكم ونعمت مصر بحكمكم ، وإن سرتم فينا غير سيرتكم الطيبه .. فقد عرف هذا الشعب طريق الحق والحرية ولن يتحول عنه أبد الدهر .. ولازال لكم فى التحرير أسوة وعبرة
                                              
                         فأَصدِقُونا يرحمكم الله

                                                              
                                                      والختام بالسلام ،،،


                                                                               إمضاء ..
                                                                              بنت مصريه

Tuesday 10 April 2012

الرحلة


أشعل سيجارته للمره العشرين فى ثلاث ساعات غير عابئ بنصائح طبيبه الخاص بضرورة الإقلاع عن التدخين. كان الهواء المندفع بشدة يساعد على تآكل السيجارة بسرعة رهيبة فلا يكاد يشعل واحدة حتى تنتهى فيشرع فى اشعال الأخرى ..

تمدد على سطح القطار كعادته عندما كان صغيرا .. كان يتسلق أعلى القطار ثم يهبط فى البلد المجاور ليتسلق سطح القطار الآخر عائدا إلى بلدته مستفيقا من نشوة الرحله على صفعات والدته وركلاتها وهى تصرخ "أخرتك تحت عجلاته يا خايب" ، ثم يشتد صراخها ممزوجا بإختناق ونحيب "إنت عاوز تحرق قلبى عليك؟"

فرد ذراعيه ونظر للسماء المظلمة وحاول عبثا البحث عن "نجمته" التى كان يعشقها ولكن الغيوم الكثيفة أبت عليها أن تظهر له .. هكذا كان يسميها "نجمته" ممازحا أصحابه ومتحديا إياهم أن ينسبها أحدهم إلى نفسه .. إنها "نجمته" هو .. وجدت فى الكون لأجله .. ومن أجله فقط.

كان يظن أنه عندما يعتلى القطار ويذهب به للبلدة المجاوره إنما هو يصاحب نجمته فى رحلة خاصه ليعود معها مغسول من الداخل .. سعيد بمغامرته القصيرة فى تفادى الكبارى وأسلاك الهواتف. إفتر ثغره عن بسمة حزينة عندما تذكر صراخ والدته ولوعتها عليه المغلفة بقسوة الركلات خشية أن تفقده.

إتسعت إبتسامتة وهو يحاول إشعال سيجارة جديدة قائلا فى نفسه "أولم تفقده حقا؟" . خرج فى القطار ذات يوم مسترخيا على أحد المقاعد فى طريقه لإستكمال دراسته ولم يعد. خرج برغبتها وموافقتها منذ أكثر من ثلاثين عاما .. ولم يعد. كان يهاتفها ويرسل لها النقود شهريا ويرسل لها فى الأعياد من يحضرها لتمضية العيد وسط أحفادها .. وكان مستريحا إلى ذلك. كانت تخبره أنها عندما تراه ترد إليها روحها والحياة وأن هذه الزيارة "السنوية" تكفيها لتحيا بها عام أو يزيد .. ولكن .. ماذا حدث الأن؟

شعر بتوقف القطار فنظر حوله فوجده فى بلدتهم الصغيرة .. هبط من أعلى ليسلم على عم "خليفة" .. شد الرجل على يديه فى قوة ثم أصطحبه للبيت فى صمت ..

على جانب غير بعيد عن الحشد المجتمع أمام البيت همس عم "خليفة" فى أذن من بجواره "لا حول ولا قوة إلا بالله .. تصور !! البيه جاى متمدد على سطح القطر!!" فرد ذلك الأخير متصعباً "الله يكون فى عونه .. مهو المرحومه تبقى امه برضه"


تمت



Saturday 21 January 2012

بلا عنوان .. لكن بهدف



كانت ليلة حالكة السواد .. الأمطار الغزيرة وإنقطاع الكهرباء جعلها أشبه بصورة مظلمة غافلت أحد أفلام الرعب وهربت رغما عنه. لم تستطع النوم كدأبها دائما ، حاولت .. لكنها فشلت. فقد غادرها النوم كما غادرت الأضواء المدينة فجلست معها تنتظر الصباح.
إقتربت من الشرفة ومسحت بكفيها الصغيرتين بخار الماء المتراكم عليها وألقت ببصرها إلى الشارع. ترى كم الساعة الأن؟ وماذا يهم فى ذلك؟ لم يعد للوقت قيمته المعهودة فى قاموس حياتها وجدولها اليومي. لمحت بعينيها ذلك القط يحاول الإختباء من الأمطار تحت جدار إحدى العمارات ،، هو أيضاً مثلها فارقه النوم فى غفلة منه وذهب .. وتأخر فى العودة.
دلفت إلى المطبخ وأعدت لنفسها قدحا من الشاى بالنعناع .. فإن كان لابد من السهر .. فالتستمتع به إذن. عادت لغرفتها وبيدها قدح الشاى الساخن .. ياله من قدح غبى .. رغم غليان الشاى بداخله إلا أنه فشل فى أن يوصل الدفء لقلبها. أم لعله قدح ذكى .. قد يكون على علم بأن برودة قلبها خير لها كثيراً من دفئه .. فكم من قلوب دافئة محطمة وكم من أخرى باردة ولكنها خالية من الجراح.
نظرت مرة أخرى للقط القابع تحت ذلك الجدار فى محاولة مستميتة لإستمداد الدفء .. وتساءلت فى نفسها .. كيف ينجح الحائط البارد فيما فشل فيه قدح الشاى المغلى؟ أم أنها تلك القدرة الخفية المتواراة داخل عقله الباطن هى التى اقنعته بأنه سيجد الدفء رغم برودة الجدار إن هو تمسح فيه وإلتصق به؟ تحولت ببصرها عنه ثانية فى محاولة لنسيانه ومدت به لبعيد ،، لازال الظلام دامساً يحجب الرؤيه .. ولازالت السحب فى الأفق مشبعة بالماء مما ينذر بليلة طويله و .... بارده.
نظرت لقدح الشاى وتذكرت انها لم ترتشف منه إلا رشيفات قليلة ،، تحسسته بأناملها فوجدته بارداً كجثة مضى على وفاتها وقت كاف لبرودتها ولكنه لم لم يكن كاف لتيبسها بعد. وضعت القدح على المنضده وعادت من جديد تتابع القط ومحاولاته العابثة للتدفئة. كانت تتابعه ببصرها عندما إنتبهت إلى أصابعها وهى تعبث بذلك الخاتم المستدير فى يديها بحركات لا إراديه. نظرت للخاتم فى دهشة وكأنها لأول مرة تراه. شعرت به يتسع ويتسع ويغادر يديها ليحيط بعنقها الدقيق ثم عاد ليضيق من جديد.
كانت تعبر الشارع المغسول بماء المطر فى الصباح الباكر متجهه الى مقهاها المميز فى صنع القهوه. ألقت نظره على القط فوجدته نائما بعد صراع طويل من أجل تسول بعض الدفء من حائط بارد. أوحى لها ذلك بشئ .. فأكملت السير متخطية مقهاها الجميل حتى وصلت لكورنيش البحر .. نظرت له طويلا ثم نزعت ذلك الخاتم من يدها وألقت به إليه. ثم إستدارت وعادت لمنزلها دون أن تلتفت للخلف ولو لمرة واحدة .. أرخت جسدها المنهك على السرير وأسدلت جفنيها سامحة للنوم اللذيذ بزيارتها لأول مرة منذ أمد غير قصير.


تمت