Saturday 21 January 2012

بلا عنوان .. لكن بهدف



كانت ليلة حالكة السواد .. الأمطار الغزيرة وإنقطاع الكهرباء جعلها أشبه بصورة مظلمة غافلت أحد أفلام الرعب وهربت رغما عنه. لم تستطع النوم كدأبها دائما ، حاولت .. لكنها فشلت. فقد غادرها النوم كما غادرت الأضواء المدينة فجلست معها تنتظر الصباح.
إقتربت من الشرفة ومسحت بكفيها الصغيرتين بخار الماء المتراكم عليها وألقت ببصرها إلى الشارع. ترى كم الساعة الأن؟ وماذا يهم فى ذلك؟ لم يعد للوقت قيمته المعهودة فى قاموس حياتها وجدولها اليومي. لمحت بعينيها ذلك القط يحاول الإختباء من الأمطار تحت جدار إحدى العمارات ،، هو أيضاً مثلها فارقه النوم فى غفلة منه وذهب .. وتأخر فى العودة.
دلفت إلى المطبخ وأعدت لنفسها قدحا من الشاى بالنعناع .. فإن كان لابد من السهر .. فالتستمتع به إذن. عادت لغرفتها وبيدها قدح الشاى الساخن .. ياله من قدح غبى .. رغم غليان الشاى بداخله إلا أنه فشل فى أن يوصل الدفء لقلبها. أم لعله قدح ذكى .. قد يكون على علم بأن برودة قلبها خير لها كثيراً من دفئه .. فكم من قلوب دافئة محطمة وكم من أخرى باردة ولكنها خالية من الجراح.
نظرت مرة أخرى للقط القابع تحت ذلك الجدار فى محاولة مستميتة لإستمداد الدفء .. وتساءلت فى نفسها .. كيف ينجح الحائط البارد فيما فشل فيه قدح الشاى المغلى؟ أم أنها تلك القدرة الخفية المتواراة داخل عقله الباطن هى التى اقنعته بأنه سيجد الدفء رغم برودة الجدار إن هو تمسح فيه وإلتصق به؟ تحولت ببصرها عنه ثانية فى محاولة لنسيانه ومدت به لبعيد ،، لازال الظلام دامساً يحجب الرؤيه .. ولازالت السحب فى الأفق مشبعة بالماء مما ينذر بليلة طويله و .... بارده.
نظرت لقدح الشاى وتذكرت انها لم ترتشف منه إلا رشيفات قليلة ،، تحسسته بأناملها فوجدته بارداً كجثة مضى على وفاتها وقت كاف لبرودتها ولكنه لم لم يكن كاف لتيبسها بعد. وضعت القدح على المنضده وعادت من جديد تتابع القط ومحاولاته العابثة للتدفئة. كانت تتابعه ببصرها عندما إنتبهت إلى أصابعها وهى تعبث بذلك الخاتم المستدير فى يديها بحركات لا إراديه. نظرت للخاتم فى دهشة وكأنها لأول مرة تراه. شعرت به يتسع ويتسع ويغادر يديها ليحيط بعنقها الدقيق ثم عاد ليضيق من جديد.
كانت تعبر الشارع المغسول بماء المطر فى الصباح الباكر متجهه الى مقهاها المميز فى صنع القهوه. ألقت نظره على القط فوجدته نائما بعد صراع طويل من أجل تسول بعض الدفء من حائط بارد. أوحى لها ذلك بشئ .. فأكملت السير متخطية مقهاها الجميل حتى وصلت لكورنيش البحر .. نظرت له طويلا ثم نزعت ذلك الخاتم من يدها وألقت به إليه. ثم إستدارت وعادت لمنزلها دون أن تلتفت للخلف ولو لمرة واحدة .. أرخت جسدها المنهك على السرير وأسدلت جفنيها سامحة للنوم اللذيذ بزيارتها لأول مرة منذ أمد غير قصير.


تمت