Tuesday 10 April 2012

الرحلة


أشعل سيجارته للمره العشرين فى ثلاث ساعات غير عابئ بنصائح طبيبه الخاص بضرورة الإقلاع عن التدخين. كان الهواء المندفع بشدة يساعد على تآكل السيجارة بسرعة رهيبة فلا يكاد يشعل واحدة حتى تنتهى فيشرع فى اشعال الأخرى ..

تمدد على سطح القطار كعادته عندما كان صغيرا .. كان يتسلق أعلى القطار ثم يهبط فى البلد المجاور ليتسلق سطح القطار الآخر عائدا إلى بلدته مستفيقا من نشوة الرحله على صفعات والدته وركلاتها وهى تصرخ "أخرتك تحت عجلاته يا خايب" ، ثم يشتد صراخها ممزوجا بإختناق ونحيب "إنت عاوز تحرق قلبى عليك؟"

فرد ذراعيه ونظر للسماء المظلمة وحاول عبثا البحث عن "نجمته" التى كان يعشقها ولكن الغيوم الكثيفة أبت عليها أن تظهر له .. هكذا كان يسميها "نجمته" ممازحا أصحابه ومتحديا إياهم أن ينسبها أحدهم إلى نفسه .. إنها "نجمته" هو .. وجدت فى الكون لأجله .. ومن أجله فقط.

كان يظن أنه عندما يعتلى القطار ويذهب به للبلدة المجاوره إنما هو يصاحب نجمته فى رحلة خاصه ليعود معها مغسول من الداخل .. سعيد بمغامرته القصيرة فى تفادى الكبارى وأسلاك الهواتف. إفتر ثغره عن بسمة حزينة عندما تذكر صراخ والدته ولوعتها عليه المغلفة بقسوة الركلات خشية أن تفقده.

إتسعت إبتسامتة وهو يحاول إشعال سيجارة جديدة قائلا فى نفسه "أولم تفقده حقا؟" . خرج فى القطار ذات يوم مسترخيا على أحد المقاعد فى طريقه لإستكمال دراسته ولم يعد. خرج برغبتها وموافقتها منذ أكثر من ثلاثين عاما .. ولم يعد. كان يهاتفها ويرسل لها النقود شهريا ويرسل لها فى الأعياد من يحضرها لتمضية العيد وسط أحفادها .. وكان مستريحا إلى ذلك. كانت تخبره أنها عندما تراه ترد إليها روحها والحياة وأن هذه الزيارة "السنوية" تكفيها لتحيا بها عام أو يزيد .. ولكن .. ماذا حدث الأن؟

شعر بتوقف القطار فنظر حوله فوجده فى بلدتهم الصغيرة .. هبط من أعلى ليسلم على عم "خليفة" .. شد الرجل على يديه فى قوة ثم أصطحبه للبيت فى صمت ..

على جانب غير بعيد عن الحشد المجتمع أمام البيت همس عم "خليفة" فى أذن من بجواره "لا حول ولا قوة إلا بالله .. تصور !! البيه جاى متمدد على سطح القطر!!" فرد ذلك الأخير متصعباً "الله يكون فى عونه .. مهو المرحومه تبقى امه برضه"


تمت



11 comments:

سواح في ملك اللــــــــــــــــــه- said...

مشهد رائع من الحياة

تحية لقلمك

رؤى عليوة said...

جميل اسلوبك

مؤثرة القصه

وفى الواقع ما يعجز الخيال عن تخيله


دمت بخير مها

ابراهيم رزق said...

القصةجميلة

و الطبع يغلب التطبع

دائما للذكريات شجن جميل

و للحرية جنون و ثمن

تحياتى

مها البنا said...

سواح فى ملك الله

الحقيقه هو مشهد مؤلم أكثر من ه رائع

تحيه لحضرتك

مها البنا said...

رؤى الجميله

أسعدنى جدا مرورك وتعليقك ..

دمتى بخير يا عزيزتى

مها البنا said...

أستاذى الفاضل .. إبراهيم رزق

فعلا .. للحريه جنون



وثمن


تحياتى

Carol said...

الاسلوب رائع و يجبر القارئ على المتابعة
حتى النهاية
و القصة مؤثرة جدا
لمستني
دوما مبدعة :)

مها البنا said...

كارول الجميله ..

أسعدنى جدا تعليقك .. خاصة وأن القصه لمستك

تحياتى :)

كلام على بلاطة said...

سعدت بمرورى
تحياتى

كلام على بلاطة said...

سعدت بمرورى
تحياتى

مها البنا said...

كلام على بلاطه

نجن أسعد بالمرور يافندم